فصل: ذكر السنة الثانية من الهجرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر السنة الثانية من الهجرة:

سنة الأمر لأنه أمر فيها بالقتال، ثم غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفر في المهاجرين خاصة، حتى بلغ ودّان والأبواء وبينهما ثمانية أميال؛ يعترض عير قريش. فرجع ولم يلق كيداً، فكانت غيبته خمس عشرة ليلة، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ابن دليم الأنصاري ثم الخزرجي، وفي هذا الشهر تزوج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بفاطمة رضي الله عنهما ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم بواط في شهر ربيع الأول في مائتين، يعترض عيراً لقريش وكانت ألفين وخمسمائة بعير، فيها مائة رجل من قريش منهم أمية ابن خلف الجحمي، ففاتته العير؛ ورجع ولم يلق كيداً وبواط جبل من جبال جهينة، من ناحية ذي خشب من طريق الشأم، وبين بواط والمدينة ثمانية برد، وقيل أقل من ذلك، واستخلف على المدينة سعد ابن معاذ ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في هذا الشهر أيضاً، في طلب كرز بن جابر الفهري، وكان أغار على سرح المدينة من ناحية العقيق، فبلغ إلى سفوان، وهي من بدر ففاته كرز بالسرح، فرجع واستخلف على المدينة مولاه زيد بن حارثة ابن شراحيل الكلبي ثم الكناني- كنانةبنعوفبن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة- وفي الناس من يسمي هذه الغزاة بدراً الأولى ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في جمادى الأولى من هذه السنة- وقيل جمادى الآخرة- ذا العشيرة، يعترض عيراً لقريش ذاهبة إلى الشام ففاتته، وهي العير التي كان القتال ببدر بسببها في رجعتها وذو العشيرة بناحية ينبع، وبين المدينة وينبع تسعة برد، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
وقيل إن خروجه في طلب كرز بعد غزوته ذا العشيرة، والأشهر ما ذكرناه، وولد النعمان بن بشير الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج، وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة ثم سرية عبد الله بن جحش من بني دودان بن أسد بن خزيمة، في رجب في أحد عشر رجلاً، وقيل ثمانية إلى نخلة- وهو الموضع المعروف في هذا الوقت ببستان بن عامر، على جادة العراق- فلقوا عير قريش، فقتلوا ابن الحضرمي، وأسروا منهم نفراً، واستاقوا العير، وقسم عبد الله بن جحش الغنيمة، وأخرج منها الخمس، قبل أن ينزل القرآن بذلك، فعزله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى جاء الإذن من الله فأنفذه، وكان أول فيء قسمه وفي هذه الغزاة فيما ذكر سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين، وهو أول من سمي بذلك، وقالت قريش استحل محمد القتل في الشهر الحرام يعنون رجب، وندم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك لأنه قال لهم: «ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم» فأنزل الله عز وجل في ذلك: «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه. . . .» الآية. وفرض صوم شهر رمضان في شعبان من هذه السنة، وصرفت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في صلاة الظهر من يوم الثلاثاء للنصف من شعبان فاستدار النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو راكع في الركعة الثانية، ودارت الصفوف خلفه فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين، وقيل إن ذلك بعد افتراض صوم شهر رمضان بثلاثة عشر يوماً.
وفيها أرى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، من بني زيد مناة بن الحارث بن الخزرج الأذان في النوم، وورد الوحي بذلك فعمل به ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدراص العظمى، وهي بدر القتال، وبين بدر والمدينة ثمانية برد، وميلان وكان خروجه لثلاث خلون من شهر رمضان في ثلاثمائة وأحد عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، عدة المهاجرين أربعة وسبعون رجلاً، وباقيهم من الأنصار. وقيل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وقيل وأربعة عشر رجلاً.
الخبر المستفيض أنه كان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فوقع التنازع فيما زاد على الثلاثمائة والعشرة، وهو البضع وكانت قريش تسعمائة وخمسين مقاتلاً منهم ستمائة دارع، معهم من الخيل مائة فرس، وكانت الوقعة يوم الجمعة صبيحة. لتسعة عشر يوماً من شهر رمضان كذلك روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود، وخارجة ابن زيد الأنصاري ثم الخزرجي عن أبيه زيد وقد روى علقمة بن زيد عن ابن مسعود غير هذا، وهو أنها كانت صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان، كذلك روى عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد أيضاً، وكذلك روى عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فيما ذكر أبو عبد الرحمن السلمي، وإلى هذا القول ذهب محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي والسير فقتل من قريش سبعون رجلاً، وأسر سبعون رجلاً، كذلك ذكر أحمد ابن منصور الرمادي عن عاصم بن علي عن عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال حدثني عبد الله بن العباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر التقينا، فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون رجلاً، وقيل إن عدة من قتل يوم بدر من قريش وحلفائهم سبعة وأربعون رجلاً والأسرى تسعة وأربعون رجلاً، وقيل إن عدة القتلى منهم يومئذ خمسة وأربعون رجلاً، والأسرى مثل ذلك رجالاً واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً قال المسعودي: وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أفاء الله عليه لكل رجل سهماً وللفرس سهمين وضرب لثمانية نفر بأسهمهم لم يشهدوا القتال، وهم: عثمان بن عفان، تخلف عن بدر لمرض رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضرب له بسهمه. فقال يا رسول الله وأجري قال: «وأجرك» ومنهم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، يجتمع مع أبي بكر الصديق عليه السلام في عمرو بن كعب بن سعد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، يجتمع مع عمر بن الخطاب في نفيل بن عبد العزى. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثهما لما خرج من المدينة يتحسسان أخبار العير، فعادا بعد انقضاء الحرب، وقيل إنهما كانا بالشأم في تجارة لهما فقدما بعد رجوع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بدر فضرب لهما بسهميهما، فقالا يا رسول الله وأجرنا، قال: «وأجركما على الله»، والأول أشهر وعليه العمل والحارث بن الصمة من بني مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة ابن الخزرج- وخوات بن جبير بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس- والحارث بن حاطب- وعاصم بن عدي الأنصاريان- وأبو لبابة بشير ابن عبد المنذر الأنصاري ثم الأوسي. وكان استخلفه على المدينة وما ذكرنا من أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسم للفرس سهمين لفارسه سهماً باتفاق من سائر فقهاء الأمصار وغيرهم، إلا أبا حنيفة النعمان بن ثابت، فإنه قال بسهم للفرس سهماً لفارسه سهماً وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن في ذلك.
واعتل أصحاب أبي حنيفة لصحة قوله بأحاديث رووها عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري. وغيرهم، وإنما ذكرنا ذلك الخلاف للخلاف الواقع بينهم في الخبر.
وكانت غيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أن عاد إلى المدينة تسعة عشر يوماً ودخلها لثمان بقين من شهر رمضان، وكان استخلف عليها ابن أمر مكتوم الضرير، وهو عمرو بن قيس من بني عامر بن لؤي بن غالب.
وكانت وفاة أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة في اليوم الذي ورد فيه خبر وقعة بدر ثم سرية عمير بن عدي بن خرشة الأوسي ثم الخطمي إلى عصماء ابنة مروان من بني أمية بن بدر، وكانت تؤذي المسلمين وتحرض عليهم أعداءهم فقتلها عمير، وفي هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بإخراج زكاة الفطر ثم سرية سالم بن عمير الأنصاري إلى أبي عفك شيخ من بني عمرو بن عوف، وكان يحرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله في شوال من هذه السنة.
ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنصف من شوال إلى بني قينقاع من اليهود وكانوا أربعمائة فحصرهم إلى هلال ذي القعدة، فنزلوا على حكمه فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي سلول- وكانوا حلفاء للخزرج- فأجلاهم إلى أذرعات من أرض الشأم، وغنم أموالهم وأخذ الخمس، وهو أول خمس خمسه، وفرق الأربعة أخماس على أصحابه. وقيل إن فعله ذلك كان ببدر. وكانت استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر الخزرجي ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المعروفة بغزوة السويق، خرج في ذي الحجة في طلب أبي سفيان صخر بن حرب، وكان أقبل في مائتي راكب من أهل مكة ليبر نذره أن لا يمس النساء، ولا الطيب حتى يثأل بأهل بدر، فصار إلى العريض، فقتل رجلاً من الأنصار، وحرق أبياتاً هنالك. فلما بلغه خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في طلبه جعل وأصحابه يلقون جرب السويق تخففاً، فسميت غزوة السويق وكان استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر أيضاً، في هذا الشهر بنى علي بفاطمة عليهما السلام قال المسعودي: وقد ذكرنا التنازع في سنها عند ذكر وفاتها في خلافة أبي بكر فيما يرد من هذا الكتاب وضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول أضحى رآه المسلمون، وأمر بذلك، وخرج إلى المصلى، وذبح به شاتين بيده وقيل شاة وفي هذه السنة كانت الوقعة بذي قار بين بكر بن وائل- وعليهم حنظلة ابن سيار من ولد جذيمة بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار، وقيل إنه من ولد كعب بن سعد بن ضبيعة بن عجل- وبين الجيش الذي بعثه إليهم الملك خسرو أبرويز عليهم الهامرز، وذلك لما امتنع هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن عامر بنعمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من تسليم ما كان النعمان ابن المنذر اللخمي ملك الحيرة أودعه إياه من أهله وماله وسلاحه قبل قتل كسرى إياه فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمت الفرس، ومن كان معها من العرب، من تغلب وعليها بشر بن سوادة التغلبي، وطيء وعليها إياس بن قبيصة الطائي، وضبة وتميم وعليهما عطارد بن حاجب بن زرارة، والنمر وعليها أوس بن الخزرج النمري، وبهراء وتنوخ وعليهم من العرب وقتل الهامرز.
وقيل إن ذلك كان قبل الهجرة، وإن أناساً من عبد القيس وحنيفة وغيرهم من بكر بن وائل جاءوا من اليمامة وبلاد البحرين الموسم يريدون المضي إلى بكر لإنجادها، فوقف عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يعرض نفسه على قبائل العرب ومعه أبو بكر فدعاهم إلى الإيمان بالله وجرى بين أبي بكر ودغفل بن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان النسابة ما جرى حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن البلاء موكل بالمنطق» فوعدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم إن نصرهم الله على الأعاجم آمنوا به وصدقوا بنبوته، فدعا لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنصر فلما بلغه ظهورهم على الأعاجم قال: «هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا» وهذا يوم تفخر به بكر بن وائل على سائر العرب وفوضل به في مناقبها وذكره من تقدم من الشعراء وتأخر في مدح بكر، وذكر أيامها المذكورة ووقائعها المشهورة ولقد أحسن أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في تلطفه لذلك في مديحه أبا دلفٍ القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن شيخ بن معاوية بن خزاعيّ ابن عبد العزى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعبابن علي بن بكر بن وائل ببائيته التي أولها:
على مثلها من أربعٍ وملاعب

فقال:
إذا افتخرت يوماً تميم بقوسها ** على الناس أو ما وطدت من مناقب

فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ** عروش الذين استرهنوا قوس حاجب

وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه المترجم بالديباج- أوفياء العرب فعد- السموأل بن عادياء الغساني، والحارث بن ظالم المري، وعمير بن سلمى الحنفي. ولم يذكر هانئاً وهو أعظم العرب وفاء، وأعزهم جواراً، وأمنعهم جاراً، لأنه عرض نفسه، وقومه للحتوف، ونعمهم للزوال، وحرمهم للسبي، ولم يخفر أمانته، ولا ضيع وديعته.

.ذكر السنة الثالثة من الهجرة:

سنة التمحيص، ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنصف من المحرم في مائتين إلى الماء المعروف بقرقرة الكدر، ناحية معدن بني سليم، مما يلي جادة العراق إلى مكة وبين المعدن والمدينة ثمانية برد يريد سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، وغطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار؛ فانجفلوا وغنم من أموالهم، ورجع ولم يلق كيداً، وكان استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم سرية محمد بن سلمة الأنصاري من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس في أربعة نفر من الأنصار، إلى كعب بن الأشرف اليهودي. وكان رجلاً من طيء ثم من بني نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء، وأمه من بني النضير من اليهود، وكان يشبب بنساء المسلمين. ويحرص على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويرثي أهل القليب، فقتلوه في حصنه للنصف من شهر ربيع الأول ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جمادى الآخرة بفران. وهو معدن بني سليم بناحية الفرع من الحجاز، فصار إليه وقد تقدم إليهم خبره فتفرقوا، فرج ولم يلق كيداً، وكانت غيبته عشرة أيام، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الشهر في أربعمائة وخمسين إلى نجد؛ يريد غطفان فبلغ الموضع المعروف بذي أمر وراء بطن نخل فانجفلوا من بين يديه، فرجع ولم يلق كيداً.
وكانت غيبته عشرة أيام، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ثم سرية مولاه زيد بن حارثة الكلبي مستهل جمادى الآخرة إلى الموضع المعروف بالقردة، من أرض نجد بين الرّبذة والغمر وذات عرق من جادة العراق يعترض عيراً لقريش تريد الشأم، فظفر بها، وبلغ الخمس وعشرين ألفاً، وهذا أول بعث خرج فيه زيد أميراً وفي شعبان من هذه السنة تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حفصة ابنة عمر بن الخطاب، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وكان بدرياً ولم يشهد مع بدراً مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بنى سهم غيرهم وللنصف من شهر رمضان كان مولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وفيه تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت خزيمة المعروفة بأم المساكين ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحداً خرج إليها في نحو من ألف رجل، فانخذل عنه عبد الله بن أبي بن سلول في نحو من ثلث الناس- وكان أشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بترك الخروج إليهم والتمسك بالمدينة. وقال: عصاني، ولم يقبل رأيي- وبقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نحو من سبعمائة وكانت قريش وكنانة بن خزيمة وأحلافها ثلاثة آلاف، فيهم سبعمائة دارع، والخيل مائتا فرس، ومعهم من النساء خمس عشرة امرأة يحرضنهم فيهن هند ابنة عتبة، وعلى الناس أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فالتقوا يوم السبت لسبع خلون من شوال فاستشهد من المسلمين سبعون رجلاً، وقيل خمسة وستون رجلاً أربعة منهم من المهاجرين. أحدهم حمزة بن عبد المطلب، والباقون من الأنصار. وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلاً. وعاد إلى المدينة، وكان قد استخلف عليها ابن أم مكتوم ثم خرج من الغد وهو ثاني يوم أحد في طلب أبي سفيان وأصحابه حتى انتهى إلى الموضع المعروف بحمراء الأسد، وهي على عشرة أميال من المدينة على طريق العقيق متياسرة عن ذي الحليفة ففاتته قريش. فأقام ثلاثاً، ثم عاد وفي الناس من يعد هذه غزاة.

.ذكر السنة الرابعة من الهجرة:

سنة الترفيه، ثم سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي في المحرم إلى قطن وهو جبل بناحية فيد من آخر بلاد نجد ثم سرية عبد الله بن أنيس الجهني، جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم ابن الحاف بن قضاعة إلى سفيان بن خالد الهذلي في المحرم أيضاً فقتله. وقيل إن قتله إياه كان في السنة الخامسة من الهجرة ثم بعث المنذر بن عمرو الأنصاري في صفر في سبعين رجلاً من الأنصار إلى أهل نجد ليقرئوهم القرآن ويعلموهم الدين. فلما انتهوا إلى الموضع المعروف ببئر معونة، على أربع مراحل من المدينة بين أرض بني سليم وأرض بني كلاب، أغار عليهم عامر بن الطفيل الكلابي فقتلهم. وكان فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق.
ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري ثم الأوسي ثم صفر في تسعة نفر من أصحابه مع رهط من القارة. وهي من الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. وعضل وهي من القارة. وكانوا قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم. فسألوه أن يبعث معهم من يفقههم في الدين فبعثهم. فلما صاروا بالموضع المعروف بالرجيع، وذلك على سبعة أميال من الموضع المعروف بالهدأة والهدأة على سبعة أميال من عسفان غدر بهم، فقتلت لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر منهم سبعة نفر، وأسر اثنان خبيب بن عدي الأنصاري من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وزيد ابن الدّثنة فذهب بهما إلى مكة، فقتلا هنالك ثم سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريش إلى أبي سفيان بمكة ليغتالاه فنذر بهما فعاد، وقيل إن ذلك في السنة الخامسة من الهجرة ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر ربيع الأول بني النضير من اليهود، وقيل إنهم وقريظة من ولد هارون بن عمران، وقيل إنهم من جذام وغنما رغبوا عن دين العمالقة وعبادة الأصنام فاتبعوا شريعة موسى، وانتقلوا من الشأم إلى الحجاز وكانت منازل النضير بناحية الغرس وما والاها، ومقبرة بني خطمة، وكانوا موادعين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم هموا بالغدر به فنذر بهم فنبذ إليهم، فأقاموا على الحرب فسار إليهم فحصرهم خمسة عشر يوماً، ثم أجلاهم إلى فدك وخيبر، وقبض مالهم من الحلقة والكراع فخرجوا يريدون خيبر، وهم يضربون بالدفوف ويزمرون بالمزامير، وعلى النساء المصبغات والمعصفرات وحلي الذهب مظهرين بذلك تجلداً، وكان فيهم- فيما أخبرنا به عن عمر بن شبة النميري- عروة الصعاليك بن الورد العبسي، وكان حليفاً في بني عمرو بن عوف، وكان شاعراً مجيداً، وهو القائل في كلمة له طويلة:
دعيني للغنى أسعى فأنى ** رأيت الناس شرهم الفقير

وعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم قال المسعودي: وفي هذا الشهر فيما ذكر حرمت الخمر على ما في ذلك من التنازع في سبب تحريمها. وفي شعبان من هذه السنة كان مولد الحسين بن علي بن أبي طالب، وفي شوال تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومي، وفي هذا الشهر فيما ذكر رجم يهودي ويهودية كانا قد زنيا ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في ذي القعدة في ألف وخمسمائة والخيل عشرة بدراً، لموعد أبي سفيان صخر بن حرب حين أراد الانصراف من أحد فأقام بها ثمانية أيام وتسمى بدر الثالثة وخرج أبو سفيان في قريش من مكة إلى عسفان في ألفين والخيل خمسون، ثم لم يقف، ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وكان استخلف عليها عبد الله بن رواحة الأنصاري، وكانت غيبته ستة عشر يوماً.